تُغادرني 2021 وأودّعها بلا لهفة، إذ كنت أنتظر مُضيّها كطالب يترقّب مغادرة معلمٍ قاسٍ ليتنفس الصعداء ويمد لسانه تهكمًا، لكنه وفي ذات الوقت مغتبطٌ بما تعلم وإن لم يعترف.
يُخامرني شعورٌ طفيفٌ بالزهو وأنا أحصر قناعاتي التي تبدلت ومكامن قوتي التي اكتشفت، استذكر مطلع العام بينما أقفُ على مشارفه، وأفكر: يا لقدرة الزمن على وضع كل شيء في موضعه!
الزمن كريمٌ حين نكرمه بصبرنا. حين ندعه يأخذ مجراه دون أن نحاول مقاومته، سيرسو بنا على ضِفاف الوعي والفهم، وسيمنحنا الصفاء لنرى. تمامًا كما النهر حين يتكدّر، تجده مستمرًا في تدفقه بلا هوادة لافظًا الشوائب التي تكدّره، ثم مايلبث أن يعود لصفائه مجددًا بعد أن ترك الحطام على ضفّتيه.
أكتب هذه التدوينة لأتخفّف من حطام العام، ألقي به على ضفاف الزمن وأخطو بخفّة نحو عامي القادم..
أصبحتُ الآن أدرك بوضوح أنه ليس مهمًا أن أدرك المغزى الكامن وراء كل خيارٍ تمنحُني إياه الحياة، وأن أكف عن انتظار الإشارة الإيجابية من الكون لأنطلق، كففتُ عن انتظار اليقين، وتيقّنت أن كل طريقٍ أسلكه لا يخلو من خبية.
ليس مهمًا أن يكون ما أفعله في هذه اللحظة طريقًا مستعجلًا إلى أهدافي الكبرى، بل المهم حضوري في تلك اللحظة: أن أفعل مايمكنني فعله، وأن أستمر. أدركت فضيلة القليل الدائم، وأن غاياتي البعيدة لا تُدرك بالوثبات الكبيرة، بل بالخطوات الوئيدة المستمرة.
أدركت فضيلة الصبر والتريّث، إذ لم أعد أستعجل النتائج والثمار، وما عدت أتوقع أن أجني شيئًا في أوانه، واستسلمت لحقيقة أننا قد نجني ما لم نكن نتطلّع له، وأن العمر لا يخلو من مواسم مُجدبةٍ بلا حصاد ولا ثمر حتى.
أدركت أهمية اليوم بكل مكوناته الصغيرة: ساعةً ودقيقةً ولحظة، وأن التوازن مرهونٌ بضبط إيقاع اليوم الواحد، كل يوم هو ميدان بذاته، وأن الأيام ليست كلها ميادين فبعضها لا تعدو أن تكون استراحة محارب.
قرأت ذات مرةٍ قصة ترجمها الكاتب أحمد حسن مُشرف من كتاب "Will" وشاركَها في مدونته، تروي القصة على لسان ويل سميث أن والده طلب منه ذات مرة أن يبني جدارًا من الطوب – بدون أن يسمح لنفسه بالتفكير بذلك الجدار ! -:
"«توقف عن التفكير في الجدار اللعين!» قال والده «لا يوجد جدار. لا يوجد سوى الطوب أمامك. مهمتك هي وضع هذا الطوب بشكل مثالي. ثم ننتقل إلى الطوبة التالية. قم بوضع هذا الطوب بشكل مثالي. ثم التي تليها.. ثم التي تليها. لا تقلق بشأن عدم وجود جدار. همك الوحيد هو لبنة واحدة»."
أجل، أمضيتُ هذا العام أرصف طوبًا لجدارٍ لا أعرف ما شكله، ولا إن كان سيؤول ليصير بناءً مكتملًا أم لا، وفي أيام كثيرة كنت لا أطالب نفسي بأكثر من تحريك الطوب فقط، كانت "طوبتي" هي كل مايهمني، أن استمر في الرصف وأن أقاوم رغبتي العارمة بنسف كل مابنيت.
تدوينة ممتعة يا جُمانة
ردحذفشكراً لك أ. طارق،
ردحذفمن لطفك، وشيءٌ مما لديكم :)