الخميس، 4 مارس 2021

مراجعة لمحاضرة القفز على الحواجز - تقديم بثينة العيسى

مرحباً ..

مؤخراً صادفتُ محاضرة على اليوتيوب منشورةً عبر قناة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للكاتبة بثينة العيسى مدتها ساعة. وطبعاً فرحتُ كثيراً بهكذا كنز، فبثينة العيسى هي من أفضل من تحدث عن الكتابة بوصفها "حرفة" لها مهارات وأُسس يمكن تعلّمها واكتسابها، على عكس كثيرٍ من الكتاب الذين يتعاملون مع الكتابة كوحي لا يتنزّل إلا على خاصة من الناس.

في هذه المحاضرة تحدثت بثينة عن أبرز الحواجز النفسية التي يُواجهها كثيرٌ ممن ينوي الشروع في الكتابة، خلال المحاضرة سترى كيف استطاعت بثينة تقويض كل هذه الحواجز، أو فلنقل: القفز فوقها.

سأحاول عبر هذه التدوينة أن اُلخّص أبرز ما وردَ في محاضرة بثينة مع مراجعتي المتواضعة، وسأميز مراجعتي بلون مغاير.

في البدء استهلّت بثينة المحاضرة بذكر أهم الأسباب التي تدفعُ الناس للكتابة. ونوّهت أنه ليس من الضروري أن نضع أسباباً منطقية تدفعنا للكتابة، يكفينا عندما نكتب أننا نلبّي هذا النداء الداخلي.

- الكتابة للتعرف على الذات.
لعل الكتابة للتعرف على الذات هو النوع الأكثر شيوعاً والذي يُمارسه أكثر الناس، كثيرٌ من اكتشافاتي حول ذاتي وكثير من قناعاتي تبلورت أثناء ممارستي للكتابة. ولم أكن قبل تلك اللحظة -التي كتبتُ فيها- مدركةً لقناعاتي بهذا الوضوح!
وشخصياً النصوص التي أكتبها لهذا الغرض لا أشاركها.

- الكتابة للتعرف على العالم.
هذا النوع من الكتابة هو الوجه الآخر للكتابة للتعرف على الذات كما تقول بثينة. وبالنسبة لبثينة الكاتب في حالة تعرف واكتشاف مستمرة لنفسه وللعالم من حوله، وهو بقدر مايعرف يدرك أن مايجهله هو أكثر بكثير.

- الكتابة لأجل التعافي.
قال قيس بن الملوح: وما أُنشد الأشعار إلا تداويا، كما تقول بثينة علاقة الكتابة بالتعافي من "الصدمات" هي علاقة قديمة، وكثير من الناس يكتب كنوعٍ من العلاج.
ثم ذكرت بثينة أن هذا النوع من الكتابة ليس ناجحاً تماماً كعلاج، لأن الكتابة في كثير من الأحيان تكرّس التجربة بدلاً من مساعدتنا على تجاوزها. ذكرني كلامها هذا بنصٍ كتبته ذات مرة أجد من المناسب ذكره في هذا السياق:

"الكتابة تكريسٌ للفكرة وترسيخٌ لها، عندما نُحيل أفكارنا إلى كلماتٍ مكتوبة فإننا بذلك نشرع لها أبواب عقلنا الباطن لتستقر فيه عميقاً، ننحتُها في الذاكرة فلا تمّحي أبداً. لذا أجدني في أيامي الجيدة أسارع للكتابة، محاولةً أن أُخلّد كل تلك الأفكار التي تبرقُ في رأسي كنجوم، أريد أن أحاصرها ما أمكن وهي في عز توهجها، وأن أخبّئ بعضاً من وهجها لأيامي المعتمة. والأمر ذاته منطبقٌ على الكتابة التي تستهدف الحزن، في الأيام التي يحل فيها الحزن ضيفاً أدع أفكاري يصرعُ بعضها بعضاً ولا أبذل جهداً لوصفها أو حتى ترتيبها، أحب أن أترك حزني أعجمياً بلا لغةٍ توضحه أو تفسّره علّه يذوي ويمّحي سريعاً. الكتابة تمنحُ أفكارنا شرف الخلود في الذاكرة وأنا لا أريد أن أمنح حزني هذا الشرف"

- الكتابة لرواية القصص ونشر الحقائق.
أوردَت بثينة مثالاً على هذا الغرض: روايات إيزابيل الليندي. فبالنسبة لإيزابيل القصة تسبق الموضوع في رواياتها، فهي تكتب في المقام الأول لأنها تريد أن "تخلق قصة" ثم يأتي الموضوع لاحقاً عبر هذه القصة.
وعموماً التجربة الإنسانية باتساعها تصلح مادةً لهذا النوع من الكتابة، فالحرب والمرض والفقد والأمومة والحب كلها قصص.

- الكتابة بنيّة الإمتاع ومفاجأة القارئ.
هذا النوع من الكتابة كما تقول بثينة يُسلّط الضوء على التناقض ويكشف المفارقات، ويُري القارئ الوجه المضحك لواقعٍ غير مضحك.

وبالنسبة لي الكتابة ضمن هذا الغرض هو بلوغٌ لذروة المجد الأدبي، وهو النوع الأصعب. أذكر في هذا السياق عملاً فنياً سورياً تم إنتاجه في 2014 يُدعى الحقائب من كتابة ممدوح حمادة. هذا العمل استطاع أن يوصّف جوهر المأساة السورية ضمن قالب ساخر.

-الكتابة لجعل العالم مكاناً أفضل.
هذا النوع من الكتابة هو اختصاص المؤثرين والمفكّرين ومن لديهم رؤية للتغيير.

تحدثت بثينة تالياً عن أهم العوائق الذهنية والنفسية التي تمنعُنا من الكتابة:

1- الكتابة تقتضي الموهبة وأنا لا أملكها.
ترى بثينة أن الكتابة بحد ذاتها "فعل استثنائي" لا ما ينتج عنها. وما يحتاجه أي كاتب في بدايته هو شعوره بالحميمية تجاه فعل الكتابة، أن يرى ويعتقد أن الكتابة هي مهمة مقدسة، أما الجودة فيمكن تحصيلها لاحقاً بالممارسة.

وعن كون الكتابة موهبة، أذكر أني قد بدأت الكتابة في سنٍ صغيرة وكان يبدو على ما أكتب علامات التفرّد وإن كان ينقصه الجودة والإحكام، اليوم ومع تقدم عمري وانقطاعي فترات عن الكتابة بت أشعر أن الموهبة غابت عن نصوصي، ولم يبقَ فيها مايميزها. وأستطيع أن أعزو هذا لقلة ممارستي للكتابة، إذ أن الموهبة وحدها لا تكفي لإنتاج نصٍ بديع.

2- أنا صغيرٌ جداً لأكتب.
تقول بثينة أن نُضوج تجربة الكاتب لا علاقة له بالسن مطلقاً، إنما هو بشكلٍ
جوهري متعلق بنضوج الأدوات وبكثافة المخزون الفني والأدبي.
لكن في الوقت ذاته نبّهت بثينة أن يختار الكاتب الوقت المناسب لتقديم إنتاجه، وأن لا يتعجّل في اقتحام الساحة الأدبية قبل نضوج تجربته، حتى لا يكره المرحلة المتواضعة التي بدأ بها وكان يمكنه أن يقدم نفسه ضمن معطيات أفضل.

فالسؤال ليس أنا كبيرٌ أو صغير، إنما هل أنا جاهز أم لا؟

3- ليس لدي التعليم الأكاديمي الذي يُؤهلني لأكون كاتباً.
تقول بثينة ببساطة أننا عندما ننظر لمقدرة الكاتب الأدبية فإن آخر ماننظر إليه هو مستواه التعليمي فضلاً عن تخصصه الأكاديمي. فمثلاً: فيرجينيا وولف توقفت عند الثانوي، مارك توين لم يكمل المتوسطة حتى.

أما بالنسبة لعلاقة الكتابة بالتخصص الأكاديمي، فبثينة لديها وجهة نظر مثيرة للاهتمام، إذ ترى أن الدراسة الأكاديمية المتخصصة أنتجت لنا أشخاصاً متعلمين محجورين في صناديق ولا يتواصلون إلا مع نُسخهم. وصار العلم جزراً منعزلةً عن بعض. في حين أن الأدب يحتاج ممن يكتبه أن يكون منفتحاً على العديد من العلوم. وأن يقتحم عوالماً لا علاقة لها بالأدب ليُثري نصّه.

4- لا يوجد لدي أفكار أصيلة لأكتب عنها.
هذه هي مُعضلة كل كاتب. إذ إننا ككتّاب نبحث عن التجلّي الخارق ظانّين أننا أنبياء. وفي الحقيقة الأمر مغايرٌ تماماً، فنحن بشر وتجربتنا الإنسانية تتكرر كل يوم وكل ساعة ونشترك جميعاً في ذات الحياة.
الأمر كما تقول بثينة متعلقٌ بالأدوات؛ إذ أننا لدينا دوماً الموضوع ولكننا نفتقد للأدوات، والموضوع "المكرر اليومي" هو وسيلتنا لتطوير أدواتنا الأدبية والفنية.
وعندما تطور أدواتك من خلال الكتابة عما تعرف، سيحين الوقت المناسب لتبدأ بالكتابة عما لا تعرف، عندها تصبح الكتابة كما تقول بثينة شكلاً من أشكال السفر واكتشاف المجهول.

5- ليس لدي الوقت الكافي لأكتب.
تتحدث بثينة عن علاقة الكاتب بالحياة المدنية فتقول: إن طبيعة حياتنا تجعلنا أناساً مفتتين، لأننا مُضطرون للركص لتأمين لقمة العيش، ولدينا أحلام وطموحات وأولاد والتزامات اجتماعية، لكن بالنسبة لنا ككُتّاب طبيعة الحياة هذه ليست سبباً يمنعنا من الكتابة. يجب أن لا يملك الكاتب خيار أن لا يكتب.

6- الكتابة تسبب لي حرجاً اجتماعياً.
يضطر أغلب الكتاب أن يواجهوا هذا السؤال: هل أنت موجودٌ في نصوصك؟
على الكاتب أن يُقرّ أولاً أنه كشخص ظاهر وجليٌّ فيما يكتب، وأن حياته وشُخوصها وتفاصيلها -كلها- مستثمرةٌ في نصوصه سواءً كان واعياً بذلك أم لا. وعليه أن لا يخجل من ذلك.
ثانياً للكاتب كامل الحق أن يرفض الإفصاح عن مدى ارتباط نصوصه بواقعه، وعلى القراء أن يتعاملوا مع الأعمال الأدبية بمعزلٍ عن الحيوات الشخصية لكُتابها.
ثالثاً على الكاتب أن يتحمل أن يكون ثمن مشروعه -أعني الكتابة- عزلةً اجتماعية، وضغطاً عائلياً في كثيرٍ من الأحيان، وإشاعات والكثير من القيل والقال.
ولبثينة مقولة تكررها دائماً في أكثر من مناسبة: "إما أن تكون شخصاً لطيفاً، وإما أن تكون كاتباً"

نصائح أخيرة أنقلها نصاً:
- لا تنتظر الظروف المثالية للبدء بالكتابة ولا تكن عبداً لها.
- عوّد نفسك على الكتابة بجميع الأدوات: قلم، لوحة مفاتيح، جوال .. إلخ.
- اصنع بيئة تغذّي طلاقتك الأدبية: شاهد مسرحيات، أفلام، اذهب إلى المعارض.
- القراءة القراءة القراءة.


المرجع: https://youtu.be/NFh20R3MxCg

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق