لطالما أخبروك عن جمال الوصول وعن البهجة العارمة التي ترافقه.
وربما أخبروك أن الدنيا لن تسعك فخراً وحبوراً وأنت ترى زرعك يؤتي ثماره.
ربما أخبروك أنك عندما تصل ستنسى شقاء الرحلة،
وربما بالغوا وقالوا أن مرارة الطريق ستستحيل حلاوةً في ذاكرتك.
وحتى إن لم يخبرك بذلك أحد..
فالأكيد أنك تدرك كل هذا جيداً وتنتظره، وتتوقع عند وصولك أنك ستجد هذه المشاعر بانتظارك، مثل قميص مكويّ معلق في الخزانة، أو مثل هدية ملفوفة بشريط وردي.
وتدرك أن كل ماستشعر به وإن اختلف وتضارب، فهو ليس إلا أطيافاً من البهجة تتفاوت في ألوانها.
ها أنت هناك، حيث تنبأ الجميع أنك ستصل.
لكن النبوءة لم تكن كاملة.
لأن أحداً لم يخبرك عن وخز المرات الأخيرة: عن آخر محاضرة، وآخر اختبار، وآخر سؤال، عن آخر كوب قهوة، وآخر مرة تظهر فيها بطاقتك الجامعية.
ولعل أحداً لم يخبرك عن الترف الذي كانت تمنحك إياه الجامعة، والذي ستفقده حين تخرج منها لآخر مرة.. لا إلى البيت بل إلى العالم.
ستفقد ترفَ الأمان وأنت تخفي نفسك خلف مقاعد الدراسة.
ستفقد ترف الاختيار، أن تقرر متى تظهر تحت الضوء ومتى تتوارى..
فالعالم خارج الجامعة لن يشاورك، سيصفعك بالضوء من كل مكان حين تقف أمامه وجهاً لوجه.
ستفقد ترفَ الألفة.
ألفة المكان وألفة الوجوه وألفة المفاجئات، فالجامعة حتى مفاجئاتها مألوفة.
ستفقد ترفَ معرفة الوجهة.
أن تعرف كيف ستنتهي مهام اليوم، وماذا ستفعل خلال أسبوع، وأين ستكون بعد شهر.
ستفقد ترفَ ضبط البوصلة، فالجامعة التي ضبطت بوصلتك أثناء سنوات دراستك، لن تمنحك بوصلة مع وثيقة التخرج.
وربما هذا هو أكثر ماستفقد.
سيخبرك الجميع عن الخيارات الواسعة التي لم تمنحك إياها الجامعة.
لكنهم على الأغلب لم يخبروك أنك بعد الجامعة ستقف في مفترقات الطرق وحدك، بلا لوائح ولا خارطة.
سيخبرونك أن ضيق الخيارات في الجامعة هو تضييقٌ لواسع، أو محض لوائح تمارس صلاحياتها.
لكن الحقيقة أن لوائحها كانت تحميك من مفترقات الطرق، وأهم من ذلك: كانت تحميك من حيرتك.